السبت، 19 ديسمبر 2015

الطريق

-         هل تثقى فى؟؟؟

هزت رأسها بايماءة خفيفة ... اطارت الرياح الخافتة حولنا بعض من خصلات شعرها فتساقطت على عينيها .. و بيد مرتجفة ازاحتها و نظرت الى ...

"انت خائفة يا صغيرتى"

كان ذلك فى ذهنى فقط ... انا ايضا خائف لكننى لا استطيع ابدا ان انقل خوفى اليها ... هى تستمد قوتها منى و لا يمكن ابدا ان ابدو امامها متخاذلا ... امسكت باصابعها المرتعشة فى يدى و تأملت المكان حولى ... يبدو انه الفجر ... لا اعرف ... لا توجد اى دلائل لاى شئ فى هذا المكان الغريب .. فقط الوحدة و السقيع ... فقط الرياح الخافتة تحمل معها اوراق الشجر المتساقطة الى افق يمتد الى مالا نهاية ... فقط تلك الاشجار الضخمة التى تحجب عنا النور فلا ينفذ منها الا اشعة مرتجفة تنبئ بمقدم الفجر ... من خلالها استطيع رؤية الطريق امامى الممتد بين الاشجار الوارفة الى افق غير معلوم ...

لكن هل هو الفجر حقا؟؟؟؟ ....

لا اعلم ... و اعتقد اننى لن اعلم ابدا ... الذى اعلمه فقط انها فرصتى الوحيدة للعودة و يجب ان احاول استغلالها قبل ان يعود الظلام الدامس ... لا استطيع ان احدد معالم الطريق لكننى اسير بحدسى و مشاعرى و لا املك سواهما ... و املك ثقتها فى التى لا استطيع ابدا ان اخذلها ...

فليحترق العالم !!!!

احتضن اصابعها فى يدى ... احاول ان ابث بها بعض الدفء ... خوفها يقتلنى لكننى لا املك غير ان ابث لها بعض من الشجاعة الظاهرة على ملامحى و التى لا تعكس ابدا ما يدور باعماقى ... لكنها لا يجب ان تعرف ... بخطوات مترددة نشق طريقنا وسط تلك الاوراق المجعدة المبعثرة بين الاشجار ... اعتصرتها يد مارد جبار فتساقطت الحياه منها ثم القتها ارضا فى قسوة ... تبدو ملامح طريق ملتوى نسير فى خطاه و لا نعرف الى اين يقودنا لكننا لا نملك شيئا الا ان نسير وراءه ...

لكن الوقت طال يا صغيرتى ... شجاعتى المؤقتة تذهب منى شيئا فشيئا ... لا ابالى الا لنظراتك الخائفة و اصابعك المرتجفة التى تبحث عن النجاه بين اصابعى ... تستمد شجاعتها منى ... لا استطيع ان اخذلك ابدا ... لكننى لا ارى الطريق يا صغيرتى ...

و لن اتركك ابدا ...

تلوح منى التفاتة الى فتحة كهف عميق تظهر بين الاشجار المتشابكة ... انعكس عليها الضوء الخافت للحظة و لولا ذلك لم اك ابدا اراها ... تتصاعد بداخلى حدة الامل و ترسم فى اعماقى خريطة للعودة ... اعتقد اننى قد عرفت الطريق و ارتسمت احداثه فى خيالى ... حدسى ينبئنى بهذا و لا املك الا ان اثق فى احساسى ... لا املك سواه للعودة ...

و انظر مرة اخرى الى عينيها .. انقل سؤالى مرة اخرى اليها بدون كلام  ... و تنقل اجابتها الى بايماءة من راسها ...

نتحسس الطريق فى مقدمة الكهف ... لا يبدو ان احد قد وطئ بقدميه هذا الكهف ربما منذ بدء الخليقة ... لا يبدو به اى اثر لاى حياه حتى للعناكب و الحشرات ...

لكننى اثق بداخلى انه الطريق الوحيد ...

يخفت الضوء شيئا فشيئا كلما توغلنا بالداخل حتى لم اعد ارى كفى ... اسمع صوت انفاسها بجانبى تتسارع ... تشتد رجفة اصابعها فى يدى ... لا استطيع ان ارى وجهها لكننى اتخيل كل ملامح الرهبة و الخوف العميق مرتسمة على انحائه... لن ترى وجهى ابدا لكنها ما زالت قادرة على سماع صوتى ...

-         ثقى فى ...

تتسارع خطواتى فى الظلام و يشتد ضغط اصابعى على اصابعها ... لن افقدها ابدا ... استرشد فقط بتلك الخريطة التى رسمتها فى خيالى قبيل دخول الكهف ... لا ارى اى طريق من اى نوع لكننى اعلم باننى سائر فى الطريق الصحيح ... يطول بنا الوقت فى السير و احاول بين الحين و الاخر ان انقل شجاعتى اليها ... يجب ان تثق فى و الا سوف يذهب كل شئ ... لا تملك الا ثقتها فى ...

و تعرف هذا ....

يلوح لنا فى النهاية مظاهر ضوء خافت و استطيع اخيرا ان ارى وجهها مرة اخرى الذى غمرته الفرحة ... لقد لاح لها امل اخيرا باننا قد نعود ... ظهر الضوء بعد ظلام طويل ... ليس بالضوء القوى لكنه ليس ظلاما دامسا كالذى سرنا فيه لمدة طويلة ...

لكنها ليست النهاية يا صغيرتى ...

لاح لنا منعطف لطريقين يظهر من احدهما ذلك الضوء الخافت و يغرق الثانى فى ظلمات كئيبة كالتى سرنا فيها و ربما اشد ...

و اخترت الطريق الذى سوف استمر فيه ...

نظرت فى عينيها احاول نقل شجاعتى اليها ... انقل اليها سؤالى الابدى الذى لم اعد اقوله لكنها تستطيع ان تفهمه ...

لكنها لم تستجب ... لم تومئ برأسها كعادتها و انسلت اصابعها من بين اصابعى فى خفة ... و عرفت ...

لقد اختارت الطريق الاخر ... اختارت الضوء الخافت ... و لا الومها ...

لكنها لا يجب ان تذهب الان ... ليس بعد كل هذا ...

و انظر اليها نظرة اخيرة ... يتصاعد صوتى الذى حاولت جهدى ان يبدو قويا متماسكا لكنه جاء خافتا مهتزا حزينا ...

-         ثقى فى ....

قلتها فى رجاء لكنها نظرت لى نظرة حزينة ثم ادارت وجهها و بدأت فى اتخاذ الطريق الذى اختارته ...

طريق النور ...

تابعتها بعينى حتى غابت فى الطريق و وقفت لحظة احاول جهدى ان اتماسك ... فراقها لا اتحمله لكننى لا استطيع ان اقنعها بان تتخذ نفس الطريق ... لا املك اى دليل على صحته الا حدسى و شعورى ... لقد وثقت فى طوال الرحلة لكنها الان وثقت فى حواسها ... و لا الومها ...

لكننى يجب ان استمر ...

لا يطول بى السير فى الطريق المظلم حتى وصلت لتلك البوابة الضخمة ... احسست بوجودها عندما ارتطمت بها فى سيرى الاعمى ... تحسست ارجائها بيدى حتى استطعت ان اميز مقبض ادرته فاستجاب لى .. و استطعت ان افتح البوابة ...

لقد عدت ...

كان وقع الضوء على عينى التى اعتادت الظلام قويا فاغلقتها للحظات ثم فتحتها مرة اخرى ...

و تأملت المكان حولى ...

استطعت ان ارى كل شئ كما تركته ... استطعت ان اراها بجانبى ...

 لكنها ابدا لم تفتح عينيها ...

لقد ضلت صغيرتى طريقها ... لم تعد ...

امسكت اصابعها فى يدى و نظرت فى عينيها المغلقتين ...

لن اتركها ...

اعلم انها الان وحيدة تتحسس طريقها الذى لا اعلم اى شئ عنه ... لن استطيع ابدا ان اساعدها ...

لكننى لن افقد الامل ابدا فى ان تعود مرة اخرى ...


علاء نورالدين
الاسكندرية - 18 ابريل 2012


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق